دعم الموسوعة:
Menu

أكبر موسوعة علمية عرفها الإنسان

نشرت صحيفة السفير الجزائرية في العدد 147 مقالا عن دائرة المعارف الحسينية بقلم الأديب الفاضل الدكتور عبد العزيز بن مختار شبين

 

حتى نرفع الحجب عن وجه تراثنا المتلألئ إشعاعا بما فيه، لابد من التجلي و نفض الغبار عن الرفوف، و إيقاظ الحقائق من كهفها السحيق، و انتفاضة روحية توقد المكنون فتدفعه إلى الظهور بمظهر الحق، فتصوره على لوحة الوجود بصور ملأى بالروعة و الجمال.

و ثبات أصالة الفكر في وجه الزحف المادي الجارف، ظاهر في رسوخ المبادئ و متانة القواعد، و اتـقاد العقل المشع صحوة و معرفة، و علوّ الهمّة التي لا تخلو من إيمان صدق مشدود بقوة أزلية يجدد فيها جذوة السير نحو الآفاق، و يعبد أمامها طريق النجاح و الأمان، و لعل المعارف الحسينية قد بعثت لتحمل عبء مسؤولية التجديد، و أمانة الرسالة التي تدعو إلى فتح جديد يلج بالعقل الإنساني عامة و الإسلامي خاصة، عوالم الحق في أبهى تجلياته، و مباهج العلم في أصفى منابعه، فتعود بنا إلى المنهل الأول، الصادر عن اللوح الأقدس المنبجس قدرا من كوثر الإشراق ، و ها هي تتصدر بشجاعة و همّة نادرتين لحمل رسالة الأنبياء و الوفاء بعهد أبنائهم الطاهرين ، و رفع لواء الحرية و الرأي رغم أنف عبدة الأصنام و الطاغوت ، و ليس أعظم أثراً من اقتـفاء خطى آل البيت ، و اقتباس النور من شموس لم تغرب، و التماس الهدي من نجوم لم تأفل، و لن يمحى لها أثر مادامت الأرض تنبض بروح الربيع الذي يستمد رواءه من دم الحسين عليه السلام.

 حق لهذا الرمز الخالد أن يلهم البشرية كل معاني السمو و الطهر و الشرف و الإباء. لن تكون مخطئا أيها الباحث عن الخلاص إذا حملت مشعل المهدي عبر عتمات البلاقع المهلكة و زرعت فوانيسه في عينيك ، فانك لا محالة قد تظفر بالنجاة ، و تبلغ بك الخطى برّ الأمان، و من أصفى مشربا من منهل الوحي ؟ و من أوثق صلة بالملكوت من نبيه و آل بيته الأطهار؟

و إذا كان الرسول الأعظم (ص) كتابا مفتوحا على الكون ، خطت القدرة فيه كل صغيرة و كبيرة تهم الإنسان، فهو منهاج العقل، و تفسير لطلاسم الأشياء، فلا مناص لنهضة الروح، و انطلاقة العقل من هذا الكتاب الذي حفظه الحسين (عليه السلام) فتمثله في جميع حركاته و سكناته، و من الأجدر بالأحرار المخلصين أن يستـلهموا من سيد شباب أهل الجنة، و سيد الشهداء العبرة ، و يقبسوا العزة و الكرامة ، لم يقف بعد آدم أحد موقفا بطوليا أسطوريا حرّر الإنسانية فيه من أغلال الذلّ و الهوان إلا محمد بن عبد الله (ص) و أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) .

كان لزاما على البشرية أن تحفظ لهذه الوقفة حرمتها، أولم يقفها نبي الله محمد (ص) و نبض قلبه الحسين (عليه السلام)، و إنه لحريّ بنا أن نقرأ حياة هذا المهدي الصفي الزكي الروي الذي أحيا أموات النفوس بعد قحط، و أبان شمس الله بعد احتجاب، و أشاع الدفء في صقيع ليل مدلهم، و ليس عزيزا على أمته و الأحرار من بني البشر جميعهم، و أهله الأطهار أن يقبسوا من روحه الثائرة ثورة أخرى على الظلم و الجبروت، ليكون منهاجا للصحو و الابتكار، و بيانا للفتح و الانتصار، لهذه المعاني كلها سموها و جلالها ، نهض المخلص المجاهد الإمام آية الله محمّد الكرباسي حفظه الله و رعاه - مع الصفـوة الأخيار من إخوانه بدائرة المعارف الحسينية – إلى بعث سيرة الإمام الحسـين (عليه السلام) لتكون أعظم ملحمة عرفها الإنسان عبر تاريخه الطويل، و قد جاءت سيرة الرمز الأعظم على امتداد ما يزيد أو يربو على خمسمائة و خمسين مجلدا ، ليظهر موسوعة ثقافية و فكرية شاملة ، ينهل منها أولو الألباب ، و المتعطشون لجلالة الحق، و سلاسة البيان، و قوارع الحجة، و مناهل العرفان. و اشتملت الموسوعة على حدائق وارفة من كل فنّ ، فعلَت و سَـمَتْ أدواحها، و اخضرّ فيها الزرع و ربا، و أتت من كل سحر بهيج، و يكفيها فخراً أن جمعت بين طياتها مختلف المعارف و الآداب و الفنون، و كان الإمام الحسين (عليه السلام) لبّ و زبدة هذا الفيض كله، و لعلك إذا قارنت الموسوعة بما تحويه من أجزاء عديدة بفكر الحسين (عليه السلام) لوجدتها غيضا من فيض .. ذلك هو الفيض الإلهي المتدفق من يديه المبسوطتين لأحرار العالم شرفا و كرامة رواء للعالمين.

و من هنا فان دائرة المعارف الحسينية تهيب بالأقلام الشريفة و الجادة من الكتاب و الشعراء و العلماء و الباحثين، و تدعوهم إلى رفدها و الكتابة إليها، و مراسلتها، و هي في انتظار كل ما يُكتب عن الحسين (عليه السلام) و آل بيته الأطهار من شعر و قصة و رواية و مسرحيات و نقد و تاريخ و خطابة ، و شعر دارج (مكتوب باللغة العامية الشعبية) و كل الكتابات التي تتعلق بحياة الرمز الخالد، و كل ما يصل إلى الدائرة من نتاج سيدرج في الجزء المخصص له من الموسوعة ، و قد صدر منها إلى حد الساعة أكثر من عشرين مجلدا ، منها كتاب المراقد ، ديوان القرن الأول و الثاني و الثالث و الرابع و الخامس و السادس و السابع و عناوين أخرى .. الخ.

ما أطيب رسالة الشعر و الفكر إذا صدرت عن ينبوع الفطرة، فتستوحي معانيها اللطيفة من بهاء الشجر العلوي، ممتدة إلى أفق بلا انتهاء و مجنحة في إبحار بلا ساحل.