دعم الموسوعة:
Menu

جهدٌ شافٍ و عسیر

أردف سماحة الشیخ باقر شریف القرشی تـقریظه السابق بالتـقریظ التالی عن دائرة المعارف الحسینیة

 

بسم الله الرحمن الرحیم

تدول الدول و تـفنى الحضارات أو تدوم، و الإمام الحسین (علیه السلام) أحق بالبقاء و أجدر بالخلود منها، بل و من کل کائن حی یعیش على کوکب الأرض، و ذلک لما حققه من إنجازات هائلة فی میادین الإصلاح الاجتماعی، فقد تبنى بصورة موضوعیة حث المظلومین و المضطهدین، و فجّر ثورته الکبرى التی أعز الله بها الکتاب، و جعلها عِبرةً لأولی الألباب.

لقد ثار الإمام العظیم من أجل أن یقیم فی الشرق العربی حکومة القرآن و عدالة الإسلام و یزیح الحکم الأموی الذی جهد على إذلال المسلمین و إرغامهم على ما یکرهون، و کان السمت البارز فی تلک السیاسة السوداء التی انتهجها معاویة، و خلفیته یزید أخذ البریء بالسقیم، و المقبل بذنب المدبر، و إبادة القوى الداعیة فی الإسلام أمثال حجر بن عدی، و عمرو بن الحمق الخزاعی، و رفع رأسه على رمح یُطاف به فی الأمصار.

لقد رأى سبط رسول الله (صلى الله علیه و آله) فی عهد الذئب الجاهلی معاویة و طاغیته یزید ما حلّ بالإسلام من الضربات القاصمة، و التی منها إنفاق أموال المسلمین على العابثین و الماجنین، من بنی أمیة و آل أبی معیط، فانطلق سلام الله علیه بعزم ثابت، و إرادة صلبة معلناً الجهاد المقدس رافعاً صوته قائلاً : " لا أرى الموت إلا سعادة و الحیاة مع الظالمین إلا برما ".  لقد نادى بفجر جدید، و حیاة کریمة للمسلمین لا ظل فیها للغبن و الظلم و الاستبداد.

و أوجد أبو الأحرار فی ثورته الکبرى وعیاً أصیلاً و تمرداً على حکم الظالمین، فلم تمض على شهادته ثلاثة أیام حتى ثار البطل المجاهد عبد الله بن عفیف الأزدی و ذلک حینما صعد على منبر الکوفة الإرهابی المجرم عبید الله بن زیاد معلناً فرحته الکبرى و نصره المزعوم بابادته لعترة رسول الله ( صلى الله علیه و آله ) قائلاً بلسانه الألکن : " الحمد لله الذی نصر الحق و أهله و قتل الکذاب ابن الکذاب …. ".

و لم یزد على هذه الکلمات حتى صاح الأزدی بوجهه أمام القوات المسلحة و وجوه أهل الکوفة قائلاً : " الکذاب ابن الکذاب أنت و أبوک، و من استعملک ـ یعنی یزید ـ، و أبوه ـ یعنی معاویة ـ، یا عدو الله أتقتـلون أبناء النبیین، و تتکلمون بمثل هذا الکلام على منابر المسلمین، أین أبناء المهاجرین و الأنصار لینتقموا منک و من طاغیتـک اللعین ابن اللعین … ".

و کانت هذه الکلمات کالصاعقة على رأس الطاغیة الفاجر، فقد ترجمت ما فی عواطف الناس، و حکت ما فی ضمائرهم، و لم یستطع الطاغیة کلاماً، و إنما نزل عن المنبر و هو یتمیز من الغیظ، و ولى وجهه القبیح نحو قصر الدعارة لیحتمی بالقوة العسکریة من غضب الناس.

لقد أحدثت ثورة أبی الأحرار زلزالاً مدمراً فی أروقة الحکم الأموی، و وضعت بها العبوات الناسفة التی أطاحت بمعالم زهوهم و جبروتهم … لقد انطلقت الشعوب الإسلامیة کالمارد الجبار فی ثورات متلاحقة حتى قلعت عروش الظلم و الطغیان.

و ألهمت ثورة أبی الأحرار عواطف الشعراء و الأدباء، فهاموا بتلک الثورة المشرقة التی هزت الضمیر العالمی، و راحوا ـ باعتزاز و إکبار ـ ینظمون و یکتبون عن مکاسبها و عظیم شأنها.

لقد رُثی سید الشهداء بأروع ما نظم فی میدان الرثاء، رثاه الشعراء بذوب أرواحهم، و کان رثاؤهم من مناجم الأدب العربی و من ذخائر الفکر و البیان، و قد ترجم العلامة الخطیب السید جواد شبر فی موسوعته کوکبة من أعلام الشعر العربی الذین رثوا سید الشهداء (علیه السلام)، و فیما أحسب أن أروع ما رثی به الإمام الحسین (علیه السلام) فی هذه العصور هو رثاء السید حیدر الحلی، و الحاج هاشم الکعبی، و الجواهری فی قصیدته العصماء، و الدکتور العلامة الشیخ أحمد الوائلی.

و ألفت مئات الکتب فی سید الشهداء (علیه السلام) تناولت عظیم تضحیته و سمو شخصیته، و مکاسب ثورته، و من ذخائر ما ألِّف و کتب عن الإمام ( علیه السلام ) هو " دائرة المعارف الحسینیة "، فقد تُرجم فیها کل من ألَّف و نظم فی الحسین (علیه السلام) من الشعر القریض و الشعبی، و غیر ذلک مما یرتبط بالموضوع، و هو جهد شاف و عسیر یُشکر علیه فضیلة المؤلف العلامة الشیخ صادق نجل العلامة الشیخ محمد الکرباسی، شکر الله مساعیه و وفقه لکل مسعى نبیل، انه تعالى ولی ذلک و القادر علیه.

 

21/5/1421هـ 22/8/2000 م

العراق – النجف الأشرف

باقر شریف القرشی