دعم الموسوعة:
Menu

الموسوعة الکبیرة

عنوان تـقریظ تـقدم به سماحة العلاّمة الحجة الدکتور السید محمد بن علی بحر العلوم (*)

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام على سید الخلائق أجمعین محمد وآله الغرّ المیامین وعلى آله وأصحابه المنتجبین .

وبعد: فـفی عالم المعرفة دوائر متعددة وبشتى اللغات احتوتها مکتبات العالم، فکانت ثروة هامّة لرواد العلم والفضیلة، ومنبعاً زاخراً للکتّاب والباحثین، واختصت المکتبة العربیة بعدد من هذه الموسوعات المتـنوعة کانت خیر معین لطلاب العلم والأدب والتاریخ فی عصر تکوین ثورة المعلومات العامة عن هذه الأمة التی استمدت معرفتها من التراث الإسلامی الخالد ومن منابعها الأصیلة .

وکانت واحة الأدب بشقّیها : النثر والشعر لها روّادها المعجبون بها والمتـلهفون علیها، ولم یکن هذا التوجه خصیصة عصر من العصور الإسلامیة، وإنما سبقه بزمن کبیر، حیث العصر الجاهلی، وحیث سوق الأدب والشعر تتصدّر حیاة الجزیرة فی مقدمتها " عکاظ " فی مکة، وفی البصرة " المربد " وغیرهما من أسواق الأدب عند العرب قبل الإسلام وبعده، کما لم یختص بلغة دون اللغة، فکل شعوب العالم المتحضّرة لها أدبها ونثرها وشعرها وهو عنوان حضارتها .

إن بواعث النثر عدیدة غاص فیه الکتّاب غوص البحار، ولم تکن بواعث الشعر أقـلّ اهتماماً، منها : الفخر، الحماسة، الرثاء، التشبیب، الغزل، الحبّ، الاخوانیّات، وأمثالها تعجّ بها دواوین العرب، ومساجلاتهم الشعریة، وکان له تأثیر هام فی المجتمع العربی والإسلامی، بحیث یقیم الأمة ویقعدها، ویشعل نائرة الحرب ویطفئها، ویدخل السرور على القلوب أو یوجعها ویؤلمها .

ومن هذا اللون المؤثر والمتأثر هو " الأدب الحسینی - نثراً وشعراً – والذی ما برح منذ مقتل الإمام الحسین علیه السلام فی کربلاء یوم العاشر من محرم الحرام عام 61 هجریة، وحتى یومنا هذا یتحرک بحیویة وقوّة، وعلى کل الأصعدة، فلم یفتر له حسّ، ولم یخمد صداه، رغم طول الزمن وبُعد المأساة .

لأن القضیة الحسینیّة لم تکن صرف تعامل مع کتاب یکتب أو قصیدة شعر تدبّج أو مکسب لکاتب أو شاعر فی الحصول على مغنم، إنما هو فی الواقع أبعد من هذا بکثیر، إنها ظاهرة جدیرة بالدراسة، ولعلها تتداخل فی أجواء عقائدیة أکثر من غیرها، وتـنصهر فیها جمیع المناحی الوجدانیة بما یجعلها من الأسباب والعوامل التی لا یمکن فصلها بحال من الأحوال عن القضیة الأساس " المبدأ " .

فثورة الإمام الحسین علیه السلام وتداعیاتها تمثـل الصراع المریر بین الإنسانیة واللاانسانیة بکل مظاهرها الفکریة والاجتماعیة، رفدتها التضحیات الجسام التی مثـلت النبل الفدائی والإیمان الراسخ بالقیم الرسالیة، وجسدت فی الجانب الآخر الاستهتار بکل المثل الأصیلة والمشاعر الخیِّرة والنظرة الأخلاقیة والتربیة الاجتماعیة .

ومن هذا المنطلق المبدئی أصبحت القضیة الحسینیّة ترمز بحق إلى التحرّر من الظلم والإذلال ومحاربة الاستبداد والطغیان، ومن بعد استـشهاد الإمام الحسین علیه السلام ولهذا التأریخ لم یمت ضمیرها، ولن یخمد صداها، تزداد لهباً وتـتـأجّج ثورةً على مرّ العصور والأیام .

وقد اعتبر روّاد مدرسة أهل البیت " یوم الفداء الحسینی " أساساً ومنطلقاً للتحرر الوجدانی من الظلم والاضطهاد الذی عومل – ولا یزال یعامل – به أتباع مدرسة أهل البیت من قبل الحکام الظالمین، والسلطات الجائرة، کما وأسهمت إسهاماً فاعلاً فی حفظ مسیرة الإسلام من الشلل، حتى قال أحد العلماء فیها : " الإسلام محمّدی الوجود حسینیّ البقاء " .

ورحم الله الشاعر المعاصر حیث یقول :

أبا الشهداء الصید یومک جرنی         لتـشخیص یومی وهو یوم ملبد

تماسک فیه الغیم فالبعض مبرق       بوجهی وبعض فوق رأسی مرعد

وأنت مناری کلما أسودّت الدنا           بطرفی فطرفی فی سناک مزود

وهبنی أصبت الدرب بعد ضیاعه         فلا فضل لیّ فیه وأنت المعبد

وکانت مئات الکتب وضعت فی الثورة الحسینیّة من بعد القرن الثانی للهجرة، وامتدت حرکة التألیف إلى یومنا هذا، والغریب أن هذا العدد الکبیر والکمّ الهائل لم تُضمر مجالات الکتابة فیها، ولیس من باب المبالغة أن نرى جمیع ما صدر عن الحسین علیه السلام فی مضمار النثر لم یجف بحره الصافی، أو یقلل من عطائه، وکما انشد النثر إلى هذا المنبع الدافق، کذلک أنشد الشعر إلیه انشداداً لا ینفک عنه طیلة هذه القرون الحافلة بالآلام والمحن والرزایا، وهی تنصبّ خاصة على محبّی الحسین علیه السلام والسائرین على دربه وهداه، قرناً بعد قرن، من غیر أن یبدو فی الأفق ما یخفّف الواقع المضنی والاضطهاد المبرح .

وبمرور الزمن کانت هذه الثورة الکبرى لها وجودها الشاخص على مسرح الأحداث الإسلامیة، بحیث یمکن أن تکون سجلاً وثائـقیّـاً فی تاریخ الثورات التی تأججت أو تـتأجّج فی سبیل الحریة والکرامة والعقیدة والإنسانیة، حفلت بها کتب النثر، کما زخرت فیها دواوین الشعر، فکانت مادة ثرّة فی کتب الأدب وسجلات التاریخ، وما على الباحث أو المحقق أو الهاوی إلا أن یتتبع ألواناً من المصادر وأکداساً من الدواوین وأعداداً من کتب الأدب والتاریخ لیقف على ما قیل من نثر وشعر فی مضمار ثورة الإمام الحسین علیه السلام .

وخالجت الأخ العلامة المحقق الشیخ محمد صادق الکرباسی – حفظه الله – فکرة جمع ما قیل فی هذه المناسبة الخالدة نثراً وشعراً ضمن موسوعة کبیرة " لتکون الأجیال المتعطشة إلى غدران الحقیقة وعیون المعرفة قریبة من النبع تتـزود منه فی کل آن " .

فسعى الشیخ الکرباسی بجِـدٍّ واهتمام إلى جمع هذا التراث الحسینی النثر منه والشعر بنوعیه القریض والشعبی بغیة إصداره بمجموعة کبیرة قد تصل إلى خمسمائة جزء أطلق علیها " دائرة المعارف الحسینیّة " .

وبدأ بالشعر، حیث أصدر من "دیوان الشعر الحسینی" ثلاثة مجلدات، ولا زال فی القرن الثانی، وسیصدر تباعاً وهو جهد کبیر ومهم فی الوقت نفسه، لأنه یمثل تاریخ جیل کامل آمن برسالة الإمام الحسین علیه السلام الجهادیة ونصرة العقیـدة، وستتـلوه القـرون وتـتبعه الأجیال من الشعراء والکتّاب .

إننا نقدِّر ونکبر هذا الجهد الرائع من الأخ المؤلف الذی قضى فی تهیئته اللیالی والأیام مکبّـاً بین الکتب بحثاً وشرحاً، حیث جنّـد نفسه لهذه المهمة العظیمة، ونأمل من العلی القدیر أن یعینه على إتمام الشوط وإکمال هذا السـِّفْر الأدبی التاریخی العقائدی، لیکون زینة المکتبة، وتحفة المطالعین، وسمار عشاق الحسین علیه السلام، والله سبحانه الموفق .

  

17/11/1417 هـ 26/3/1997 م

--------------------------------------------------------------------------------

 [*] ولد فی مدینة الإمام علی علیه السلام، النجف الأشـرف سنة 1346 هـ ( 1927م ) تخرّج على أعلام النجف ومراجعها وحاز على شهادة القضاء منهم، کما تخرّج من کلیة الفـقه وزوّد بشهادة لیسانس فی علوم الشریعة الإسلامیة والفلسفة، ونال شهادة الماجستیر من جامعة طهران قسم الإلهیات ومبادىء الحقوق الإنسانیة، وشهادة الدکتـوراه من کلیة العلوم بجامعة القاهرة .

ترأَسَ الرابطة الأدبیة فی النجف الأشرف، کما کان عضواً إداریاً فی جمعیة منتدى النـشر بها، تولى القضاء الجعفری فی المحکمة الکلیة بالکویت عام 1390 هـ ( 1970م )، من مؤسسی جامعة الکوفة، وجمعیة العتبات المقدسة فی النجف الأشرف، تولى الأمانة العامة لمرکز أهل البیت فی لندن، وکان عضواً مؤسساً لرابطة أهل البیت الإسلامیة بها، اشترک کمؤسس وعضو فی العدید من المؤسسات الإسلامیة والاجتماعیة والسیاسیة تجاوزت العشرین .

محاضر بلیغ، شاعر أدیب، وکاتب قدیر وسیاسی محـنّک، له عدد من المؤلفات تجاوزت الخمسین، منها :

 -1 عیون الإدارة فی الشریعة الإسلامیة مقارناً بالقوانین الوضعیة .

  -2 الاجتهاد أصوله وأحکامه .

 -3 لمحات من تاریخ الصراع السیاسی فی الإسلام (العهد الأموی (

  -4 آفاق حضاریة لنظرة الدولة فی الإسلام .

 -5 دیوان شعره .

وله عدد من التحقیقات طبع بعضها، کما له أبحاث ومقالات نشرت فی العدید من الصحف العربیة .